القرش مهدد بالإنقراض في البحر الأحمر ...

الداخل إلى سوق السمك المركزي في مدينة جدة، لا تخطئ عينه رؤية عشرات من مواليد أسماك القرش الصغيرة، مرصوصة فوق بعضها في أطراف منصات عرض الباعة أو رصيف المزاد اليومي لدلالي الأسماك صباح كل يوم، وبعشرة ريالات فقط تستطيع شراء كيلو واحد من لحمه الطري، أو تدفع 40 ريالا فقط لتحمل سمكة قرش صغيرة بكاملها إلى البيت.
من النادر أن تشاهد سمكة قرش كبيرة في سوق السمك، لكن من الدارج قراءة أخبار في الصحف المحلية عن محاولة هجوم تتعرض لها مراكب الصيادين من مجموعات شرسة تجوب طول وعرض البحر الأحمر.
السعوديون عادة، لا يفضلون هذا النوع من الأسماك، ولا يستسيغون طعم لحمه، حتى وإن قيل أو تهامس البعض للترويج عن قدرة زعانف القرش أو أجزاء من جسمه على رفع الطاقة الجسدية إلى المستوى الأحمر، فأقراص الفياجرا والسنافي وحبوب جذور الجنسنغ وشرس الزلوع تبدو أسهل توفرا في الصيدليات ومخازن الأدوية وأكثر فاعلية.
لكن معظم الجاليات المقيمة في السعودية سواء العربية أو الآسيوية يفضلون لحم القرش خصوصا بعد تجفيفه ورشه بكميات هائلة من الملح لحفظه من الفساد. ويأتي اليمنيون والحضارمة على رأس القائمة كون وجبة "اللخم" الشهيرة بينهم تتكون عادة من لحم القرش المجفف، يليهم الآسيويون الذي يأكلون الأخضر واليابس من جسد هذا الحيوان المفترس، خصوصا زعانفه لصنع (شوربة) لا يتناولها في بلادهم البعيدة إلا علية القوم، ومرتادو أرقى المطاعم وأكثرها غلاء، وسعر الكيلو الواحد من زعانفه يصل إلى 100 ريال، وهو أعلى سعر لكيلو واحد من جميع أنواع السمك الموجود في سوق السمك المركزي.
وبين "اللخم" و"شوربة زعانف القرش"، تتعرض أكثر من 100 نوع من أسماك القرش لمعارك يومية مع مراكب الصيادين الكبيرة وبأجهزة الصيد المتطورة من أجل البقاء في مياه البحر الأحمر. وغالبا ما لا تنجو من الشباك وشهوة الصيد الجائر.
وفي كلتا الحالتين يهدد غياب سمك القرش عن البيئة البحرية بأخطار جسيمة، كونه حارس التوازن البيئي في البحار، وصيده بهذا الشكل الجائر يهدد بإخلال توازن الهرم الغذائي فيها والذي يترأسه بلا جدال سمك القرش المفترس بأنواعه الكثيرة.
في الأسبوع الماضي، أطلق خبراء البيئة في العالم، صفارات الإنذار، وعلقوا الجرس لخطورة وضع أسماك القرش في مياه البحر الأحمر وخليج عدن. وأعلنوا في ختام اجتماع دوري نظمته الهيئة الإقليمية للمحافظة على البيئة في إقليم البحر الأحمر وخليج عدن، في مدينة جدة بسرعة سن قوانين تحمي بقاء أسماك القرش، ومنع انقراضها. وقرروا ضرورة التوجه لإصدار قرار بمنع البيع والصيد معا بدلا من قرار منع الصيد فقط.
وخرج الاجتماع، بعد مد وجزر بين الخبراء إلى صياغة عدة توصيات أهمها إنشاء تعاون إقليمي لمنع الصيد ومراقبة وضع السمك بين الدول التي يهاجر بينها، بالإضافة إلى تبادل المعلومات والخبرات، وإقامة دورات تدريبية للعدادين والأخصائيين للتعرف على أنواع السمك، وإعداد برنامج رصد دوري، وإقامة مراكز معلومات وشبكة لتبادل المعلومات والأخبار، وإعداد خطة إقليمية في سقف زمني محدد ويعمل لها تقييم دوري.
وأشار خبير الإعلام البيئي حسين القحطاني لـ"الوطن" إلى أن سمك القرش يواجه عدة أسباب تؤدي لانقراضه إذا استمر استهدافه بهذا الشكل، حيث إنه يتميز بطول الفترة العمرية، بالإضافة إلى طول فترة الطفولة وتأخر سن البلوغ لديه، بأنواعه التي تتعدى المئة نوع مشيرا إلى أنه لم يكن يستهدف قبل العقود الثلاثة الأخيرة ولم يكن يواجه أي أخطار إلا الطبيعية، وابتداء من عام 1950 ميلادي وحتى عام 2010 تضاعف الصيد عليه بمعدل أربع مرات.
وفي جولة لـ"الوطن" على سوق السمك المركزي في جدة "البنقلة"، نفى الصيادون والباعة الذين يعرضون تحت أشعة الشمس ومكعبات الثلج في أكشاك البيع سماعهم أو معرفتهم بصدور أي قرار بمنع بيع سمك القرش، لا في الماضي ولا في الوقت الحالي.
لكن الصيادين والباعة اتفقوا على أن سمك القرش بات قليلا في البحر، ويرجعون سبب ذلك إلى أن عملية صيده ليست سهلة كباقي أنواع الأسماك الأخرى. مشيرين إلى أن الجالية الآسيوية يفضلون زعانفه والتي يباع الكيلو الواحد منها بـ100 ريال، بينما يفضل أبناء الجالية اليمنية شراء لحمه حيث يباع الكيلو الواحد بـ10 ريال بينما تباع سمكة القرش الصغيرة بـ40 ريالاً فقط.
من جهته أوضح مدير عام مركز أبحاث الثروة السمكية بجدة طلال أبو شوشة، مشكلة تهديد وجود أسماك القرش في البحر الأحمر، بأنها مشكلة إدارية بحتة. مشيرا إلى أن هناك عدة جهات مسؤولة عن منع صيده في البحر، ولكن لا يوجد قرار رسمي لمنع بيعه في أسواق السمك المركزية في المملكة.
وقال أبو شوشة لـ"الوطن" إن مناطق تصريف وبيع السمك خاضعة للبلديات بعيدا عن مراقبة وزارة التجارة، مشيرا إلى أنه سوق مفتوح فمن الممكن أن يرد البائع عند مسائلته أنه يبيع قرشاً يمنياً أو عمانياً أو إماراتياً ولا يوجد ما يؤكد لنا ذلك من عدمه.
وتابع أبو شوشة، أهمية القرش شبه معدومة بالنسبة لنا ولكنها مهمة جدا بيئيا لأنها تمثل قمة الهرم الغذائي في البحر ولو قضيت عليها فستتسبب في اختلال توازن لكامل الهرم وكل البيئة تتغير ونتوجه لكارثة حقيقية، ولدينا من القروش المهمة تجاريا وهي عائلة القروش الرمادية ومسجل في البحر الأحمر أربعة عشر نوعاً منها، وهناك أبحاث عن طريق الهيئة الإقليمية للمحافظة على إقليم البحر الأحمر وخليج عدن شاركنا فيها.
وأوضح مدير عام مركز أبحاث الثروة السمكية بجدة أن هناك تقريراً عن الخطة الاستراتيجية لإدارة مصائد الأسماك الغضروفية من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، اقترح من خلاله مجموعتين من الاستراتيجيات لإدارة المصائد وتشتمل عدة خطوات، أهمها إيقاف منح تصاريح المراكب العاملة على استغلال مصائد الأسماك الغضروفية، وإيقاف الفقد الناتج عن الصيد وبالتالي إعطاء الإدارة مهلة لإعادة تنظيم المصائد، ووضع حد أقصى مسموح بصيده من الأسماك الغضروفية إلى أن تتم دراسة المخزون وتحديد الاستغلال الأمثل لهذه المصائد، ووضع تشريعات لحماية الأحجام اليافعة من القروش والرقطيات في مناطق الحضانة وذلك لمنع انهيار المصائد، والحد من صيد النوع Grey-reef shark نظرا لأهميته الاقتصادية والسياحية، بالإضافة إلى إيقاف تصاريح الصيد بهدف الحصول على زعانف القرش، وإصدار قوانين لحماية الأنواع المهددة بالانقراض مثل قرش الحوت وقرش المنشاري، وإنشاء هيئة إقليمية من دول المنطقة لإدارة مصائد الأسماك الغضروفية تقوم بدراسات مشتركة وتتعاون في تبادل المعلومات المتعلقة بمخازين الأسماك الغضروفية المهمة على الأقل، وفرض نوع من الرسوم على مصايد الأسماك الغضروفية واستخدام الأموال في تمويل الأبحاث وتطوير مصائد الأسماك في الإقليم.
وأضاف القيمة التجارية للقروش كبيرة كونها حيوانات مفترسة تلعب دورا حيويا في حفظ توازن البيئة المحيطة بها، فلها استخدام كبير من قبل البشر في استخدام لحمه والذي تتراوح أسعاره بين 15 و20 ريالا، والزعانف التي يستخدمها سكان بعض دول الشرق الأقصى وعادة ما تستخدم زعانف القروش ذات الحجم الكبير أكبر من 1.5 متر، وعادة ما تكون القروش الرمادية، بالإضافة إلى جلودها نظرا لخواصها والتي استخدمت سابقا لتنعيم الأخشاب وحاليا بعد معالجتها كيميائيا أصبحت تستخدم في صناعة الأحذية، كما أن زيت الكبد يستخرج منه الفيتامين A والذي يستخدم كزيت تشحيم وفي الدباغة، كما يستخدم بعد غليه في طلاء القوارب لمنع تسرب الماء، بالإضافة إلى مادة السكوالين والتي يحتوي زيت الكبد عليها بنسبة عالية وتستخدم في مستحضرات التجميل ومرطبات الجلد، بالإضافة إلى أن الأحماض الدهنية غير المشبعة المأخوذة من زيت الكبد تستخدم كمواد مضادة للتجلط،كما تستخدم أسنانه وفكوكه في أسواق محدودة تستخدم فيها لأغراض الزينة وصنع الحلي والزخارف.

المصدر الأحد 2 رمضان 1430 ـ 23 أغسطس 2009 العدد 3250 ـ السنة التاسعة
جريدة الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... تحياتي ...